تعريفه. هو ما نزلت الآية أو الآيات مبينة لحكْمه أو حِكَمه أيام وقوعه. فهو الحادثة التي وقعت في عهد الرسول ³، ونزل قرآن بشأنها، أو استفسارات وأسئلة وُجّهت للنبي ³ فجاءت الآيات القرآنية تجيب عنها. ولا يعني هذا أنه لابد لكل آية من سبب. فالقرآن منه ما نزل ابتداءً وهذا أكثره، ومنه ما نزل عقب حادثة، أو جوابًا عن سؤال، فليس لكل آية سبب.
فائدته. سبب النزول أمر لا يستغني عنه مفسر لكتاب الله ، فلا يستطيع المفسر أن يفسر الآية إلا إذا عرف سبب نزولها وقصتها إن كان لها سبب. فمن فوائده أنه يعين المفسر على فهم الآية فهمًا صحيحًا، ويفيد في معرفة الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، فمن لم يعرف سبب النزول يخطئ في تفسير الآيات.
وقد روي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معديكرب أنهما كانا يقولان: ¸الخمر مباحة·، ويحتجان بقوله تعالى: ﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا﴾ المائدة : 93. ولو علما سبب نزولها لما قالا ذلك وهو أن ناسًا قالوا لما حرِّمت الخمر: كيف لمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر، وهي رجس؟ فنزلت هذه الآية الكريمة وكان كل ذلك قبل التحريم.
كيف يعرف سبب النزول. سبب النزول لايعرف إلا بالسماع والرواية ممن كانوا مع رسول الله ³، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن عللها، وجدُّوا في طلبها. فطريقة معرفة السبب هي وسيلة النقل الصحيح عن الصحابة الذين عاصروا النزول، ووقفوا على الملابسات، فلا يصح القول في أسباب النزول بالرأي والاجتهاد. لهذا كان الصحابي لايقول في أسباب النزول إلا بقرائن ترتبط بالقضايا، أو سماع من رسول الله ³، وربما لم يجزم بعضهم، فيقول: أحسب هذه الآية أو الآيات نزلت في كذا.
فقد أخرج الأئمة الستة عن عبدالله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلاً من الأنصار في شراج الحرَّة، (وهي مسايل الماء)، فقال النبي ³ (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ) فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك! فتلوَّن وجهه ³. قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا﴾ النساء: 65.
الألفاظ الدالة على سبب النزول. هناك ألفاظ تدلّ على سبب النزول وعبارات مستعملة في هذا، فبعضها مما فيه نص لا يقبل التأويل والاحتمال، وبعضها غير صريح في السببيَّة، بل يحتملها ويحتمل تفسير المعنى وما تضمنته الآية من أحكام. فمن الأول قولهم سبب نزول الآية: كذا، مصرحًا بلفظ سبب النزول، وقولهم: حدث كذا وكذا فنزلت الآية، أو سئل رسول الله ³ عن كذا فأنزل الله كذا، بلفظ الفاء الدالة على الترتيب، فتلك عبارات نص في بيان السبب. ومن الثاني، قولهم: نزلت في كذا، فإن العبارة تحتمل السبب، وتحتمل تفسير المعنى. والله أعلم.
جَمْعُ القرآن وتدوينه
يُطلق جمع القرآن على معنيين اثنين: الأول: بمعنى حفظه، وُجمّاع القرآن حُفّاظه. وهو المراد في قوله تعالى مخاطبًا نبيّه ³، وكان يحرّك لسانه متابعًا جبريل ـ عليه السلام ـ قبل أن يفرغ من تلاوة الوحي عليه، حرصًا على حفظه واستظهاره: ﴿لا تحرّك به لسانك لِتَعْجَل به ¦ إنّ علينا جمعه وقرآنه﴾ القيامة: 16، 17. أي : إن علينا جمعه في صدرك. والمعنى الثاني: جمع القرآن بمعنى كتابته كلّه.
نموذج لمخطوطة من القرآن الكريم.
جمع القرآن في عهد النبي ³. على عهد النبي ³، تمَّ جمع القرآن بمعنى حفظه، فقد حفظه كلَّه أو بعضه عن ظهر قلب عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم ـ كما تم جمعه بمعنى كتابته. وقد اتّخذ رسول الله ³ ـ كتَّابًا للوحي، تنزل الآية، أو الآيات، فيأمرهم بكتابتها، ويبّين لهم موضعها، فاجتمع للقرآن حفظه في الصدور، وكتابته في السّطور، مما لم يجتمع لكتاب قبله ولا بعده قطّ.
وكان جبريل عليه السلام يعارض رسول الله ³ بالقرآن (أي: يراجعه معه، ويُذاكره) مرة كل سنة، في كل ليلة من ليالي رمضان، وعارضه في سنة وفاته مرتين، وكان الصحابة، رضوان الله عليهم، يعرضون على النبي ³ مامعهم من القرآن حفظًا وكتابة.
ولم يُجمع القرآن في مصحف واحد على عهد النبي ³؛ لأنه كان يترقّب نزوله في كل وقت. وقد يكون من النّاسخ لشيء نزل من قبل. وكتابة القرآن لم يكن ترتيبها بترتيب النزول، بل تكتب الآية بعد نزولها، حيث يشير ³ ـ إلى موضع كتابتها بين آية كذا، وآية كذا، في سورة كذا. ولو جُمع القرآن كلُّه بين دفّتي مُصحف واحد لأدَّى ذلك إلى تغييره كلما نزل وحي جديد. فلما انقضى نزوله بوفاته ـ عليه الصلاة والسلام ـ ألهم الله الخلفاء الراشدين أن يجمعوه، وفاءً بوعده الصادق بضمان حفظه: ﴿إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ الحجر: 9.
ويسمى جمع القرآن حفظًا وكتابةً على عهد النبي الكريم صلوات الله عليه ـ الجمعَ الأوّل.
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. جمع القرآن في عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في السنة الثانية عشرة للهجرة بعد موقعة اليمامة مع المرتدّين من العرب الذي امتنعوا عن دفع الزكاة، وقتل فيها سبعون من قرّاء الصحابة وعلمائهم، فهال ذلك عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، واقترح على الخليفة الصدِّيق، أن يأمر بجمع القرآن في مصحف واحد خشية الضياع. فَصَعُبَ على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن يفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ³، ثم شرح الله له صدره فأرسل إلى زيد بن ثابت، لمكانته في الحفظ والكتابة والفهم والعقل، وشهوده العرضة الأخيرة، فكان موقفه في البداية كموقف الصدّيق، ثم شرح الله صدره، وطابت نفسه كي يتولّى عملية جمع القرآن. ومع أن زيدًا ـ رضي الله عنه ـ كان حافظًا، متقنًا، عالمًا، متمكّنًا، فكان لا يقبل أن يكتب من حفظه هو، بل لابد أن يُؤتى بما هو مكتوب في الصّحف، والألواح، ولابد أن يأتي بشاهدين اثنين، على أن هذا المكتوب كُتب بين يدي رسول الله ³. وهذا حرص شديد في الاحتياط والتوثق لم يتوفر لكتاب قط. كل ذلك ليكون المسلم على يقينٍ تامّ، بأنّ هذا القرآن الذي يقرؤه هو ـ بلا شك ـ ما أقرأه جبريل عليه السلام، لنبي الله ـ عليه الصلاة والسّلام.
وهكذا جُمع القرآن في مصحف واحد، لأوّل مرة، مرتَّب الآياتِ والسُّور، مشتملاً على الأحرف السّبعة التي نزل بها. وبقي هذا المصحف عند أبي بكر ـ رضى الله عنه ـ مُدَّة حياته، ثم انتقل إلى عمر، رضي الله عنه، وبعد وفاته حفظ عند ابنته حفصة، أمِّ المؤمنين، إلى أن طلبه عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وهذا الجمع هو المسمى بالجمع الثاني.
مجموعة مخطوطات من المصحف الشريف من المكتبة الخالدية في القدس.
جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه. جُمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه، حين اتّسعت الفتوحات الإسلامية، وتفرّق القرّاء في الأمصار، وأخذ أهل كلّ بلد قراءتهم عمَّن وفد إليهم من علماء الصحابة. وكانت وجوه القراءة مختلفةً باختلاف الأحرف التي نزل عليها القرآن. فكان أهل كل بلد، إذا ضمّهم مجمع أو موطن من مواطن الغزو، عجب بعضهم من قراءة بعض. وأدى هذا الاختلاف إلى تسرّب الشك لعقول بعض الناشئة.
فلما كانت غزوة أرمينيا وغزوة أذربيجان، كان حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه ممن غزاهما، فرأى اختلافًا في وجوه القراءة، بعضه مشوب بالخطأ، مع تمسك كلّ جماعة بقراءتهم وتعصُّبهم لها، وربما خطَّأ بعضهم بعضًا، ففزع حذيفة إلى الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ، فأكبر الصحابة هذا الأمر، وأجمعوا أمرهم أن ينسخوا الصحف التي كانت عند أبي بكر، ليجتمع الناس عليها بالقراءات الثابتة على حرفٍ واحد. فأرسل عثمان إلى حفصة، لتبعث له بالصحف، وأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزّبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، ثم ردّ الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق، وأبقى عنده في المدينة واحدًا، هو مصحفه الذي يُسمَّى الإمام.
قال عليٌّ رضي الله عنه: ¸لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا. فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأٍ منا. قال: ما تقولون في هذه القـراءة؟ فقـد بلغني أنّ بعضهم يقول إنّ قراءتي خير من قراءتك، وهـذا يكاد يكون كفرًا. قلنا: فما ترى؟ قال أرى أن يُجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة، ولا اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت·.
وهكذا تُركت القراءة ببعض الأحرف. ولا ضير في ذلك، فإن القراءة بالأحرف كلها ليست واجبة ولو أوجب رسول الله ³ على الأمة القراءة بها جميعًا لوجب نقل كل حرف منها نقلاً متواترًا تقوم به الحجة. ولكن الصحابة لم يفعلوا ذلك، فدل هذا على أن القراءة بها إباحةٌ ورخصة، وأن الواجب هو تواتر النقل ببعض هذه الأحرف، وقد كان، والحمدلله. وبهذا قطع عثمان ـ رضي الله عنه ـ دابر الفتنة، وحسم مادة الخلاف، وحصَّن القرآن من أن يتطرّق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مرّ العصور. وجَمْع عثمان للقرآن هو المسمَّى بالجمع الثالث، وتمَّ سنة 25هـ.
ترتيب آيات القرآن وسوره
ترتيب الآيات. إن ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيف النبي ³، أي: بأمره، من غير خلاف بين المسلمين. وجزم بذلك الإمام السيوطي،وقال: إن الإجماع منعقد على ذلك، ولا شبهة فيه؛ فقد كان جبريل ـ عليه السلام ـ، يتنزل بالآيات على رسول الله ³، ويرشده إلى موضعها من السورة، أو من الآيات التي نزلت قبل، فيأمر الرسول ³ كتَّاب الوحي بكتابتها في موضعها، ويقول لهم: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يُذكر فيها كذا، أو ضعوا آية كذا في موضع كذا.
ووقف عثمان رضي الله عنه في جمع القرآن عند موضع كل آية من سورتها، حتى لو كانت منسوخة الحكم، لا يغيّرها. وروى الإمام البخاري عنه قوله: ¸لا أغيُّر شيئًا عن مكانه. كما جاءت الأحاديث الدالة على فضل آياتٍ من سور بعينها، ويستلزم هذا أن يكون ترتيبها توقيفيًا، أي: بأمر من النبي ³، إذ لو جاز تغييرها لما صدقت عليها الأحاديث. مثال ذلك مارواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ، عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ، أن النبي ³ قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال ). كما ثبتت قراءة النبي ³ لأكثر سور القرآن في الصلاة، وخارجها، بترتيب آياتها. وكانت مراجعة جبريل ـ عليه السلام ـ للقرآن الكريم مع رسول الله ³ في رمضان الأخير من حياته الشريفة مرتين، على الترتيب المعروف لدينا الآن، والذي سمِّي بالعرضة الأخيرة.
ترتيب السُّوَر. قيل: إن ترتيب السور في القرآن كان باجتهاد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، وقيل: إن بعض السُّور كان ترتيبها توقيفيًا، وبعض السور كان ترتيبها اجتهاديًا. والصحيح أن ترتيب السّور، كترتيب الآيات، توقيفي، تمَّ بناء على أمر رسول الله. قال ابن الأنباري: ¸فاتّساق السُّور، كاتساق الآيات والحروف، كلّه عن النبي ³. فمن قدَّم سورة، أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن·. وأضاف الكرماني في كتابه البرهان: إنّ ترتيب السور كما هي عليه بين أيدينا، هو هكذا عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ في اللوح المحفوظ.
أول صفحة من القرآن الكريم وتشتمل على النصف الأول من سورة الفاتحة.
أنواع سوَر القرآن. سُور القرآن أربعة أنواع: 1ـ الطِّوال 2ـ والمئون 3ـ والمثاني 4ـ والمُفصَّل.
فالطوال سبع: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف. أما السابعة، فقيل هي الأنفال والتوبة معًا لعدم الفصل بينهما بالبسملة. وقيل: هي يونس.
والمئون : هي السور التي تزيد آياتها على مائة، أو تقاربها.
والمثاني : هي التي تليها في عدد الآيات. سُمّيت بذلك لأنها تثنى في القراءة، وتكرّر أكثر من الطوال والمئين.
والمُفصّل: قيل من أول سورة (ق)، وقيل: من أول (الحجرات)، وقيل غير ذلك.
والمفصل أقسام ثلاثة: طوال، وأوساط، وقصار. وسمّي بالمفصل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة.
وعدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة. وقيل: وثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءة سورةً واحدة. أما آياته: فهي 6236 آية، على أرجح الأقوال. واختلفوا فيما زاد عن ذلك. وأطول الآيات: آية الدَّيْن 282: البقرة، وأطول السور: سورة البقرة.
المكي والمدني
يرى بعض العلماء أن المكي من القرآن ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة. وهؤلاء نظروا إليه باعتبار مكان النزول، لكن أخذ على هذا التعريف أنه لا يشمل ما نزل من القرآن خارج مكة، وما نزل منه خارج المدينة، ولذا اعتبر هذا التعريف ناقصًا.
ومن العلماء من قال: إن المكي ما صُدِّر بـ (ياأيها الناس)، والمدني ما صُدر بـ (يا أيها الذين آمنوا) فحيث كان الكفر هو الغالب في مكة خوطبوا بـ (يا أيها الناس). ولما كان الإيمان هو الغالب في المدينة خوطبوا بـ (يا أيها الذين آمنوا) لكن أُخذ على هذا التعريف أن كثيرًا من سور القرآن وآياته لم تصدر بـ (يا أيها الناس) ولا بـ (يا أيها الذين آمنوا). ولذا اعتبر العلماء هذا التعريف ناقصًا؛ لأن أصحاب هذا الرأي نظروا إلى المكي والمدني باعتبار حال المخاطَبين.
ويرى جمهور العلماء: أن المكي من القرآن ما كان نزوله قبل الهجرة وإن كان نزوله خارج مكة، والمدني ما كان نزوله بعد الهجرة وإن كان قد نزل داخل مكة. وهؤلاء نظروا إليه باعتبار الزمان. وهذا التعريف أدق، ولذا اعتبره العلماء، وساروا عليه.
طرق معرفة المكي والمدني. لمعرفة المكي والمدني من القرآن طريقتان. الأولى: السماع: وهو النقل الصحيح عن الصحابي أو التابعي أن هذه الآية أو هذه السورة قد نزلت بمكة أو بالمدينة، أو نزلت قبل الهجرة أو بعدها، مثال ذلك: ما ورد في شأن قول الله تعالى: ﴿ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً﴾ الإسراء: 110. فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها ¸نزلت ورسول الله ³ مختف بمكة. كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به· الحديث.
أما الثانية: فهي الضوابط الكلية التي يعرف بوساطتها أن السورة أو الآية مكية أو مدنية. وهذه الضوابط مبناها على التتبع والاستقراء المبني على الكثير أو الغالب، مثال ذلك وجود كلمة ¸كلاَّ·، فحيثما وجدت كلاَّ فالسورة مكية، وهذه الكلمة قد ذكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة، وكلها في النصف الأخير من القرآن الكريم، والنصف الأخير غالبه نزل بمكة، وأنشد السيوطي في الإتقان:
وما نزلت كلاَّ بيثرب فاعلمن ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى
وذلك لأن نصفه الأخير نزل أكثره بمكة، وأكثر أهلها جبابرة فكثرت كلاَّ على وجه التعنيف لهم والإنكار عليهم، بخلاف النصف الأول.
فوائد معرفة المكي والمدني من القرآن. لمعرفة المكي والمدني فوائد جمة تعين الدارس للقرآن في كثير من المعارف التي يحتاج إليها. من ذلك نعلم أن المدني من القرآن ينسخ المكي، كما ينسخ المدني الذي نزل قبله؛ لأن الآية لا يجوز أن تنسخ مالم ينزل بعد، والمكي نزل قبل المدني. كما يفيد ذلك في معرفة سير الدعوة الإسلامية على عهد رسول الله ³ في مكة وفي المدينة وما بينهما. فيرى الدارس من خلال ذلك كيف كان رسول الله ³ يدعو الناس ويحاورهم، ويرد على أسئلة المشركين التي كثيرًا ما كانت تخرج عن نطاق المعقول والمقبول، إلى الاستهزاء والسخرية، كما ذكر لنا ذلك الحق تبارك وتعالى.
قراءات القرآن
أحد المصلين يتلو آيات من القرآن الكريم.
القراءَات جمع قراءَة، والقراءَة في اللغة تعني الجمع، فقراءة الشيء جمعُه وضمُّه، ومعنى قرأت القرآن لَفَظْتُ به مجموعًا، وسُمّي القرآن، لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض.
أما القراءة في الاصطلاح فقد ذكر علماء القراءات عدة تعريفات لها، نكتفي بتعريفين منها : 1- علم يُبحث فيه عن صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواترة حتى يُصان كلام الله عن تطرّق التحريف والتغيير. 2- اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرها.
ولعلماء القراءات مصطلحات في هذا الشأن لابدّ من توضيحها، كالقراءة والرواية والطريق. فالقراءة للإمام كقراءة نافع وابن كثير وعاصم، والرواية للذي يأخذ عن الإمام كرواية ورش عن نافع، ورواية قنبل عن ابن كثير، ورواية حفص عن عاصم. والطريق للذي يأخذ عن الراوي.
القرآن الكريم كلام الله ومن واجبات المسلم معرفة القرآن وقراءته وحفظه.
ونشأة القراءات غير نشأة علم القراءات؛ وهذا أمر لابد من التنبيه إليه والاهتمام به. فالقراءات وتعدُّدها نشأت نتيجة لتلقي الصحابة رضوان الله عليهم القرآن عن رسول الله ³، إذ كان يُقرئُ كلَّ واحد منهم بما ييسره الله له، والقرآن أنزل على سبعة أحرف، فقد أقرأ هشام بن حكيم بوجه، وأقرأ عمر بن الخطاب بوجه آخر. فلما سمع عمر قراءة هشام بن حكيم أمسك به من ردائه، ثم أحضره للرسول ³ مستنكرًا منه تلك القراءة، فقال له رسول الله ³ أرسلْه يا عمر! ثم قال لهشام اقرأ، فقرأ، فقال ³ هكذا أنزلت، ثم قال لعمر: اقرأ، فقرأ، فقال ³: هكذا أنزلت، ثم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه ) متفق عليه. وهذا أمرٌ لم يقف عند هشام وعمر وحدهما، وإنما حدث لأبيّ بن كعب، وأبي هريرة وغيرهما، وجميعُهم يذهبون إلى رسول الله ³ للفصل بينهم، مما يدل على أن نشأة القراءات سبقت كتابة المصحف، وفي هذا ردٌّ على المستشرقين ومن وافقهم ممَّن قالوا: إن نشأة القراءات جاءت نتيجة خلوِّ كتابة المصحف من نقط الإعجام والإعراب، فيردُّ عليهم بأن القراءات قد نشأت قبل كتابة المصحف وفي حياة المصطفى ³.
أمَّا علم القراءات فقد نشأ متأخرًا بعد أن تعدَّد أئمة القراءات وتفرقوا في الأمصار، وأصبح لكل جهة إمامٌ يقرأُ الناس بقراءته، واحتاج الناس إلى تدوين هذه القراءات وأئمتها وما يتعلق بذلك.
وقد كان أهل الصدر الأول يعتمدون على حفظهم دون تدوين، فخشي الناس من التخليط في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد.
فكان أبوعبيد القاسم بن سلام، أول من جمع القراءات في كتاب، وجعل لها خمسة وعشرين قارئًا، أي إمامًا للقراءة. سوى السبعة المشهورين الذين عرف بهم ابن مجاهد على ما سيأتي.
ثم جاء مِن بعده من اقتدى به، وسلك مسلكه، فظهرت المؤلفات في علم القراءات، تختلف في الطول والقصر؛ إذ ظهر أحمد بن جبير الذي ألفّ كتابه في القراءات الخمس من كل مصر إمام، والأمصار آنذاك هي: المدينة ومكة والشام (دمشق) والبصرة والكوفة.
ثم ظهر القاضي إسماعيل بن إسحاق الأزدي صاحب قالون، فألفّ كتابًا فيه قراءة عشرين إمامًا، ثم جاء أبوجعفر محمد بن جرير الطبري فألفّ كتابه الجامع الذي ضمَّ ما يربو على عشرين قراءة.
وهكذا عني العلماء بالقراءات ضبطًا وتدقيقًا حتى ظهر العالم الجليل القاسم بن فيرُّه الشاطبي الأندلسي، الذي ألَّف حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع المعروف بالشاطبية، فسارت به الركبان، وبقي مستمرًا مع الأزمان.
تلا ذلك شيخ المشايخ الذي وصف بأنه لم تسمع العصور بمثله: محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري، الذي ألّف كتاب النشر في القراءات العشر كما نظم طيبة النشر في القراءات العشر وشرحها ابنه.
المسلمون.من أهم واجبات المسلمين أينما كانوا تعلم القرآن الكريم. يبدأ أطفال المسلمين بحفظ أجزاء من القرآن عن ظهر قلب وفي وقت مبكر من حياتهم التعليمية. في الصورة شيخ يعلم الفتيات القرآن في مدينة فتح بورسيكري ـ أتربرادش ـ بالهند.
وهكذا ظلَّ العلماء يحافظون على تدوين ما يتعلق بالقراءات وأئمتها، فنشأ علم القراءات بداية متواضعة حتى اتّسعت دائرته؛ فظهرت المؤلفات التي تجمع أصول القراءات واختلاف القراء القائم على التلقي، لا على صلاحية الرسم القرآني لذلك، كما أدَّعى المستشرقون ومن سار في ركابهم. كما ظهرت المؤلفات التي جمعت أئمة القراءات ووضعتهم في طبقات كما فعل الإمام شمس الدين الذهبي والإمام شمس الدين بن الجزري في طبقات القراء. فأصبحت بين أيدينا مصنفات وموسوعات حتى زخرت المكتبة الإسلامية بتراث عظيم، ومؤلّفات تتعلق بالقراءات ووجوهها وأئمتها ورواتها وطرقها التي فاقت الحصر والعدَّ.
وبما أن أبا عبيد القاسم بن سلام والقاضي إسماعيل بن إسحاق قد وصلا بأئمة القراءات إلى نيف وعشرين. والمشهور بين الناس سبعة قراء، فنقول: إن هذه القراءات السبع التي نسبت للإمام نافع في المدينة، وابن كثير في مكة، وابن عامر في الشام وأبي عمرو البصري في البصرة، وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفة، إنما هي من اختيار ابن مجاهد الذي اختار سبع قراءات من ذلك الكم الهائل، حتى يسهل على الناس حفظها دون تعرُّضٍ للتداخل، وقد ضم كتابه السبعة في القراءات عمله الجليل الذي قام به وخدم به الأمة. وهو كتاب مطبوع ومحقّق.
ومع أن هناك من أثنى على عمله هذا وقدَّره، إلا أن هناك من ذمَّه وظنَّ أنه أراد بذلك إهدار القراءات الأخرى غير السبعة وإبعادها، في حين أنه لم يُسقط تلك القراءات التي تواترت وصحّ سندها، وإنما تركهاً لقلَّة القراء بها في تلك الأمصار بالقياس إلى من يقرأ بقراءة الأئمة السبعة الذين اختارهم.
ضوابط القراءات. اشترط أئمة القراءات لصحة القراءة تحقيق أمور عدة لابد من توافرها. وهي ما يعرف بأركان القراءة أو ضوابطها أو شروطها. وهذه الضوابط أو الأركان جمعها ابن الجزري في قوله:
فكل ما وافق وجه نحوي وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادًا هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبتِ شذوذه لو أنه في السبعةِ
فالقراءة لا تُقبل إلا إذا تحققت فيها الضوابط الثلاثة أو الأركان وهي: 1- صحة السند والتّواتُر. 2- موافقتها للغة العربية ولو بوجه بعيد. 3- موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالاً.
فصحة السند أمر لا بد منه، وهو أعظم ضوابط القراءة وقواعدها؛ لأن القراءة سنة متبعة ونقل محض. والسند هو الطريق الموصل إلى القرآن وهو خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة أكرمها الله به، وشرَّفها وفضلها به. وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، إنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم التي أخذوها من غير الثقات.
فصحة السند يعنون به، أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي القراءة إلى رسول الله ³ وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له. والتواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين السابقين الأخيرين من الرسم وغيره، فما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي ³ وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا سواء أوافق الرسم أم خالفه. أما ما وافق العربية والرسم ولم يُنقل يعني لم يصح سنده فهذا ردُّه أحق، ومنعه أشد، ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر. وحقيقة الأمر أن العلماء قد اشترطوا في أول الأمر صحة السند وحده، وأن إضافة الركنين الأخيرين لم تأت إلا في وقت متأخر.
موافقة القراءة للغة العربية ولو بوجه بعيد، يريدون بها أن توافق القراءة وجهًا من وجوه النحو، سواء أكان فصيحًا أم أفصح، مجمعًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم.
فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو كتسكين ¸بارئْكم ويأمرْكم وينصرْكم· في قراءة أبي عمرو البصري التي أنكرها سيبويه وغيره، ومع ذلك لم يعتبر إنكارهم بل أجمع الأئمة على قبولها. فقال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه جامع البيان بعد ذكره تسكين بارئكم ويأمركم وينصركم لأبي عمرو البصري، وإنكار سيبويه ومن معه لذلك؛ قال: ¸والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء، وهو الذي أختاره وآخذ به·، ثم قال: ¸وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل. والرواية إذا ثبتت عندهم لم يردَّها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سُنة متبعة، يلزم قبولها، والمصير إليها·.
موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالا ـ يعني أن توافق القراءة الرسم العثماني ولو احتمالا ـ إذ موافقة القراءة للرسم قد تكون تحقيقًا وهي الموافقة الصريحة. وقد تكون الموافقة تقديرًا، وهي الموافقة احتمالاً.
فقد توافق بعض القراءات الرسم العثماني تحقيقًا، ويوافقه بعضها تقديرًا، نحو (مَلِكِ يوم الدين) فإن لفظ (ملِكِ) كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة (مِلِكِ) توافقه تحقيقًا، كما كُتب (ملك الناس) وتقرأ (مالك) بالألف ولكنها في المصحف (ملك) بحذف الألف فهي توافقه تقديرًا، كما كُتب (ملك يوم الدين).
فكل قراءة صح سندها، ووافقت اللغة العربية ولو بوجه ضعيف، ووافقت الرسم العثماني ولو احتمالاً، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها واتباعها، سواء أكانت عن الأئمة السبعة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين
الأحرف السبعة
وردت الأحرف السبعة في الحديث المتفق عليه، ولفظه في البخاري : (إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه )، غير أن المقصود من الأحرف السبعة تحديدًا اختلف فيه العلماء وأشكل على كثير منهم، حتى أن ابن الجزري قال: ¸ولازلت استشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيفٍ وثلاثين سنة حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صوابًا·. والتبس الأمر على بعضهم حتى ظنوا أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع. فما المراد بالأحرف السبعة؟ وما علاقتها بالقراءات السبع؟
المراد بالأحرف السبعة، اختلف فيه العلماء ـ كما أسلفنا ـ على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات قليلة نحو ¸أف ـ جبريل ـ أرْجه ـ وهيهات·.
فقال بعضهم: سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وهكذا، ورُدَّ هذا القول باختلاف هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهما قرشيان من قبيلة واحدة ولغتهما واحدة.
وقال بعضهم: المراد بها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار إلى غير ذلك من الأمور. ورُدّ هذا القول بأن الاختلاف بين الصحابة لم يكن في فهم الحلال والحرام، وإنما في أداء القراءة.
وقال ابن قتيبة: هي أوجه سبعة يقع بها التغاير وهي: ـ
1- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما لا يزيلها عن صورتها ولايغيّر معناها. نحو: (هُنَّ أطْهرُ لكم ـ وأطْهرَ لكُم) (فنظِرةٌ إلى مَيْسَرةٍ ـ وإلى مَيْسُرَة).
2- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركة بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها. نحو: (ربَّنا باعِدْ بَينَ أسْفارنا ـ وربُّنا بَاعَدَ بين أسفارنا).
3- أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولايزيل صورتها (كيف ننشرها ـ كيف ننشزها).
4- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها (كالعهن المنفوش ـ كالصوف المنفوش).
5- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها ومعناها (وطلح منضود ـ وطلع منضود).
6- أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير (وجاءت سكرة الموت بالحق ـ وجاءت سكرة الحق بالموت).
7 ـ أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان ﴿إن الله هو الغني الحميد ـ إن الله الغني الحميد﴾ لقمان:26. ﴿جنات تجري تحتها الأنهار ـ جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ التوبة : 100.
وقريب من قول ابن قتيبة قول الرازي. وهما قولان يقومان على الاستقراء والاستنتاج دون دليل شرعي. وهما وما قبلهما من الأقوال لا تتضح فيهما الحكمة من الأحرف السبعة التي ذكرها رسول الله ³ في بعض ألفاظ الحديث: من التسهيل والتيسير على الأمة من شيخ كبير وصبيّ صغير لا يطيقون الاكتفاء بحرف واحد.
ومهما اختلف العلماء في تحديد المقصود من الأحرف السبعة، فهناك إجماع منهم دون شك على أن القرآن الذي بين أيدينا لا نقص فيه ولا زيادة على ما تركه لنا رسول الله ³، وجمعه الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وأرسله إلى الأمصار، وكان فعله بإجماع من الصحابة، حتى قال علي رضي الله عنه فيما رواه أبو داود بسندٍ صحيح من طريق سويد بن غفلة: ¸لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا·.
أما علاقة الأحرف السبعة بالقراءات السبع المشهورة بين الأمة فعلاقة في العدد، وهو أمر جعل بعض الناس يظنون أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة.
فالقراءات السبع من اختيار ابن مجاهد في نهاية القرن الثالث الهجري، والأحرف السبعة وردت في حديث الرسول ³ : (أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) وذلك قبل ميلاد أئمة هذه القراءات.
هل الأحرف السبعة موجودة في المصاحف العثمانية ؟ قال بعض العلماء: إن الموجود في المصاحف العثمانية، وهي المصاحف التي بين أيدي الناس اليوم، هو حرف واحد. يقول ابن جرير الطبري: ¸إن الذي في المصاحف العثمانية إنما هو الحرف الذي ارتضته الأمة زمن عثمان، وهو الذي وافق العرضة الأخيرة. وأما الأحرف الأخرى فقد اندثرت؛ لأن القراءة بها لم تكن على سبيل الإلزام، وإنما كانت على سبيل الرخصة، وقال أبو عمر بن عبدالبر: ¸... ومصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو حرف واحد، وعلى هذا أهل العلم·.
أما القراءات فمن الجلي الواضح أن أكثرها موجود في المصحف، بل لقد اشترط القراء موافقة القراءة لرسم مصحف عثمان حتى تكون صحيحة، وهذا القول هو الأرجح.
وأصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك، أن ما نحن عليه في وقتنا هذا في هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن. فثبت بهذا أن هذه القراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، استعملت لموافقتها المصحف الذي أجمعت عليه الأمة، وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفته رسم المصحف، إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، وإذ قد أباح النبي ص لنا القراءة ببعضها دون بعض ولقوله تعالى: ﴿فاقرءوا ما تيسر منه﴾ المزمل: 20. فصارت هذه القراءة المستعملة في وقتنا هذا، هي التي تيسرت لنا بسبب ما رواه سلف الأمة رضوان الله عليهم من جمع الناس على هذا المصحف لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض.
ترجمة معاني القرآن الكريم
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية.
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البنغالية.
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية.
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة التركستانية.
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة الهوسا.
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية.
القرآن كلام الله المنزل على عبده محمد ³ بلسان عربي مبين. قال تعالى: ﴿إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون﴾ يوسف: 2. وقال تعالى: ﴿كتابٌ فصلت آياته قرآنًا عربيًا لقوم يعلمون﴾ فصلت: 3. وقال تعالى: ﴿ وكذلك أَوحينا إِليك قرآنًا عربيًا﴾ الشورى: 7. وقال تعالى: ﴿ إِنا جعلناه قرآنا عربيًا لعلكم تعقلون﴾ الزخرف: 3.
والرسول ³ أُرسـل إلى الناس كـافة. قال تعالى: ﴿قل يا أيها الناس إِني رسول الله إليكم جميعًا﴾ الأعراف: 158. وقال تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ سبأ: 28. وفهم الرسالة متوقف على فهم القرآن الذي أنزل باللغة العربية، وترجمته من العربية إلى لغة أخرى تخرجه من قرآنيته وقدسيته، والمسلمون مطالبون بصون القرآن وحفظه من التحريف والتبديل، كما أن تبليغ الدعوة للبشر كافة أمر يفرضه الشرع، ويلزم به عامة المسلمين، والدعوة لا تتحقق ولا تفهم إلا بفهم المدعو للغة الداعي، ولهـذا جاء قوله تعـالى: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾ إبراهيم: 4. وبفضل الله ونعمته قد انتشر الإسلام في جميع الأقطار ودخل الناس في الإسلام أفواجًا، فماذا نعمل في هذا الإطار؟ أيترجم القرآن بلغة من دخل في الإسلام، لأنهم في حاجة إلى فهم دينهم، غير أن فيه مساسًا بالقرآن، أم يُحرَم هؤلاء المسلمون من الاطلاع على كتاب الله، وصحة معتقدهم تعتمد على الفهم والإدراك السليم لمعاني الآيات القرآنية. إن ترجمة القرآن قد تناولها العلماء قديمًا وحديثًا بجدال طويل أدى إلى انقسامهم إلى فريقين، فريق مانع للترجمة، وفريق مبيح لها، وكلّ قد أتى بأدلة وحجج تؤيد رأيه.
فماذا قال المانعون؟ يقولون: إن الإعجاز من لوازم القرآن، وهذا أمر يعتمد على نظمه العربي. فإذا ترجم فَقَدَ هذه الخاصة،كما أن النبي ³ بعث برسائل إلى الفرس والروم وغيرهم فلم يترجم لهم آية في كتبه التي بعث بها إليهم مع إمكانية ذلك لو أراده، يضاف إلى ذلك أن في القرآن تعبيرات مجازية، لو ترجمت إلى لغة أخرى، أدى ذلك إلى مسخها وتشويهها، كقوله تعالى: ﴿حتى يلج الجمل في سم الخياط﴾ الأعراف: 40. وقوله تعالى: ﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه﴾ الإسراء: 13. ثم كيف تترجم الألفاظ التي يصعب تحديد معناها في اللغة العربية نفسها كلفظ الدهر والحين، والألفاظ التي تطلق على الشيء وضده كلفظ القُرْءِ الذي يدل على الطهر والحيض. قال تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ البقرة: 228. لهذا كله فإنهم لا يجيزون ترجمة القرآن.
وماذا قال المجوِّزُون للترجمة؟ يقولون: إن إبلاغ الدعوة من واجبات الإسلام، ولايتم هذا البلاغ إلا بشرح النصوص الشرعية. وعلى رأسها القرآن بلغة المدعو. ومن هنا تصبح الترجمة واجبة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إضافة إلى أن أبا حنيفة أجاز للفارسي الذي لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة بالعربية أن يقرأها بالفارسية. ورُدّ على هذا بأن أبا حنيفة قد رجع عن هذا الرأي، كما أن قوله تعالى: ﴿فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ ق: 45. يدل على أن القرآن نفسه أداة لنشر الدعوة، ولا يتحقق هذا إلا بترجمته. فبأي الرأيين نأخذ؟. لقد وفَّق بعض العلماء بين الرأيين وعدّ الخلاف بينهما خلافًا لفظيًا، لأن حجة المانعين إنما تعني الترجمة الحرفية، وحجة المجوزين إنما تعني الترجمة التفسيرية.
فالترجمة تنقسم إلى قسمين:
1 ـ ترجمة حرفية: وهي نقل الكلام من لغة إلى نظائرها من اللغات الأخرى مع مراعاة الموافقة بحيث يكون النظم موافقًا للنظم، والترتيب موافقًا للترتيب، غير أنها تخرج الكلام في أسلوب لا يؤدي ما يقصده الأصل؛ لهذا تحرم ترجمة القرآن حرفية، ولا يجوز لأحد أن يقول: إن الكلمة من القرآن إذا ترجمت إنها كلام الله.
2 ـ ترجمة معنوية أو تفسيرية: وهي تفسير الكلام وبيانه بلغة أخرى دون مراعاة النظم والترتيب والمحاكاة، مع الارتباط بالأصل لأنه تفسير له، فإن كانت بلغة الأصل تسمى شرحًا وتفسيرًا، وإن كانت بغير لغة الأصل تسمى ترجمة معنوية.
من هنا نصل إلى أن الترجمة اللفظية بمعنى نقل المعاني مع خصائص النظم العربي المعجز مستحيلة، أما إذا أخذت الاحتياطات اللازمة للترجمة التفسيرية التقـريبية فإنها تفي بالغرض المقصود من الترجمة وهو: تبليغ القرآن إلى من لا يعرف العربية، ويحفظ على القرآن قدسيته وبقاءه على مر الزمان إلى أن تقوم الساعة. وحقيقة هذه الترجمة، ترجمة معاني القرآن لا ترجمة القرآن نفسه فهي كالتفسير تمامًا، إلا أن التفسير يكون بلغة الأصل والترجمة بلغة أخرى