تأبى الحقيقة أن تنسى وستكتشف بعد الهجر وإن طالت مهما طالت ، وآن وقت تنظيف الأتربة المتصلدة على أغلفة الكتب الموضوعة على الأرفف العليا المقابلة للنافذة المطلة على الشارع المليء بالانزعاجات الصوتية التي تمر فيه السيارات وتعبر منه الناس وصولاً إلى المحطة التي تستوقف الناس الباصات غير الصديقة للبيئة فالتلوث الذي تحدثه تجعل طبقة الأوزون تستصرخ، في هذا المكان يقف فقراء الحي ، أما الأغيناء والأثرياء فلا أثم عليهم إن تأخروا لأنهم حتماً سيكون الإنصاف الحكومي في صفهم فقط لأن ألقابهم أولاد البشوات والبكوات .. وغير ذلك من الألفاظ غير العربية تماماً .. بل اللغة العربية براء من هذه الألفاظ ، هذا المكان تحديداً الذي تسكن فيها بطلة قصتنا، وفي هذه الأجواء الباكورية والجميع يلهث وراء لقمة العيش وهذا ما نجح فيها أولى الأمر في مجتمعاتنا، انتهزت صابرين المتعلمة الرصينة الفقيرة المنبت من أبوين فقيرين لا يملكان من حطام الدنيا شيئاً غير تربية أبناءهما ، العفيفة التي أحبت ابن الجيران الثري </SPAN>حباً يوازن حب النساء جميعاً في عصرنا الفوضوي الآن </SPAN>، فارتأت </SPAN>المخلصة في حبها فرصة سانحة حينئذ </SPAN>بعدما هربت من رقابة أبويها بحجة الذهاب إلى السوق إيماناً من لدنهم أن الفتاة أخذت في الاستفحال لنضوجها وكبر سنها عاماً تلو الآخر ، ويسدي لها الحظ </SPAN>بعد مضى أكثر من حولين ونصف الحول من الهجر بينها وبين حبيبها </SPAN>فرصتها الذهبية كون أن </SPAN>نافذة الغرفة مفتوحة ، على الرغم أنها مرت مراراً وتكراراً من أمامها فشاءت الأقدار أن لا تتعاطف معها ، بعدما اعترفت بخطئها وغيرتها الشديدة التي سببت لها صدع في العلاقة الوطيدة كون أن ارداتيهما التقت على الحب الذي لا خداع فيه، وبعدما اعترفت بذنبها كدت باحثة عن فرصة تمكنها من التأسف واعتذاراً ينضوي تحت وطأة العقاب مهما كان إلا الهجر من قبل حبيبها فكتبت رسالتها وخشيت أن تقع في يد والد طارق أو والدته لأنهما كانا يبديان استيائهما من الزواج بأولاد الفقراء ، ارتأت صابرين نافذة الحجرة التي يقطنها طارق والمطلة على الشارع مباشرة ، علماً بأن غرفته بالأساس كانت في الناحية الأخرى ولكنه قام بتغييرها من أجل صابرين حتى يراها كل يوم ، لم تدع صابرين الفرصة تمضى بعدما أطلقت النظرات ذات اليمين وذات الشمال حتى لا يراها أحد حيث قامت بلف الرسالة الورقية على حصاة وبسياج من خيط حتى لا تفترق الحصاة عن الورقة ثم قامت بقذفها بقوة لتجد مستقرها في غرفة طارق بعدما أحدث صوتاً خفيفاً في بداية الأمر قبيل أن تصطدم بالباب ، ثم هرولت صابرين ، قام طارق الذي كان يبدو مستيقظاً، والذي استغرب في بداية الأمر ، لا عليك يا طارق هكذا يصنع جنون الحب ، أتمنى أن أعش هذا الجنون لحظة واستفيق منه على وهم الحب الكاذب كما والآن هو حالنا ، وما كنت مستمسكاً إذ ساقني الهواء يداعبني ويشجيني ..</SPAN>
طارق هذا الشاب الذي استفاق مندهشاً من نومه على سيمفونية مزعجة عزفتها أوتار الحب المستكين بين خلجات صدر صابرين ومن يلوم صابرين وحبها الأبيض كاللبن المختلط بالعسل...!!! سأكون فضولي لو طلبت من صابرين أن تعلمني كيف أحب مثلها ..!!!</SPAN>
ضرب طارق الغطاء بقدميه كعادة أبناء الريف حينما يغضبون فهو تربية ريفية واختلاطه بأهل الريف أكسبه عادات حميدة قلما يتمتع بها أبناء الأثرياء في هذا الزمن ، استغفر ربه ، وأخذ يتنهد ، هدأ روعه واطمأنت نفسه فهي ليست قنبلة موقتة أو جرم إرهابي ، وأخذ يجول بعينيه في غرفته حتى وقعت عينيه على </SPAN>الحصاة التي استقرت منزوية في الركن الأيمن الفارغ، هم مسرعاً وجلس القريفصاء وأمسك بها، وفي استنكار وتعجب ساوره الشك واحتاط به الخوف ربما شيئاً يصبه بسوء فمن يجرؤ على صنع ذلك ، بدأ بفك الخيط، حتى تجلت بوادر الارتياح وما كان يثنيه فضوله عن التوقف، وبتباطؤ آخذاً بإرادته بالعودة إلى الخلف ليجلس على سريريه في هدوء أكثر منه استعجاباً ، وضع الحصاة برفق ، وأخذ يستقرأ ما هو مدون أمامه . فكانت لواقع الصدمة أثراً قوياً في نفسه فهذه الرسالة </SPAN>.....</SPAN>
" من صابرين .. إلى حبيب قلبها القاطن في ذاتها .. أناشدك يا من علمتني الحب حتى نمى كشجيرات ثمارها صنوان تسقى بماء واحد مختلط بالطهر ممزوج بالعفاف </SPAN>حتى تربعت جذورها بين الخافق .. إلى من علمني فنون قتال العشق والغرام دفوعاً عن نصيبي المؤود قبيل معرفته حتى اشترى له وطن يقم على سواعد المحبين ويبنى بآمال العاشقين ويطلى بألوان القيم </SPAN>وينشد بأعذب أصوات الهائمين ... إليك يا من أرسلت لي قلباً فكان لي وطناً أشعر بدفئه في الشتاء وببرودته في صيف لا ترحم شمسه ولا يستعطف حره .. إلى من حرك في غرائز وأحاسيس نمت في فيض حبه الذي اكترثت به فكان لي إرثاً أغلى من الكنوز وأعظم من الجواهر واللآلئ وأثمن قدراً من ذهب بخس ثمه تتصارع عليه جحافل الغافلين الذين يرون فيه مباهج مجوفة من المبادئ والقيم خاوية من الأحاسيس الرقيقة والجياشة التي تجعل للنفس كياناً في بحور السابحين إلى شواطئ المحبين الذين لا يجدون فى رصائدهم إلى غنائم المحبة الصادفة .. </SPAN>
حبيبي..أنت عندي أغلى من أي كنز ، قلبي لك مأوى ، وروحي لك افتداء، أنا لك ثياب ، وأنت لي ستر، أنا لك وردة وأنت لي عطر ، أنا لك شمعة تنر على همس حبك ، وتذوب في أحضانك دون أن تؤذيك وكيف أؤذيك وأنت نفسي وكيف أضرك وأنت كياني .. فالبيت بلا أساس كالشجرة الهشة بلا جذع يقتلعها الهواء حينما يداعبها ويأسف إن ذهبت مدارج الرياح ...!!</SPAN>
حبيبي .. إن عملت أنني أثقت عليك بغيرتي حينما آراك تبتسم لغيري فاعلم أنني طعنت نفسي بنصل الهوى قبل أن أعاتبك ، أدرك أن تعلم أن المرأة كتلة من المشاعر تسير على الأرض تؤججها غضباً مشتعلاً حينما تتجاهلها ولعلك تجاهلتني وها أنا آسفة مبدية الندم فالحزن يعتريني والشوق يجتاحني كالعواصف ببلدان قاطنيها.. لن أجاملك إن قلت لك أن حبي لك يفوق كل حب نساء الأرض فأجملهم خديجه عليها السلام وأرقاهم عائشة زوجة المصطفى المعصوم سيدنا " محمد صلى الله عليه وسلم " صلوات ربه وسلامه عليه .. وما أنا إلا أنثى كل إرثها حب هو بالأخير رأس مالها ،فالثروة الحقيقية هي الحب الذي لا يوازنه إلا حباً يفوقه أو هو أعلى منه نكالاً لذوي الإخلاص الراصدين شعورهم كودائع في قلوب مقفلة، ومفتحة حينما يراد لها أحبابها..</SPAN>
حبيبي .. تصنع الأنثى كل شيء إلا شيئاً واحداً أعلمت ما هو .. إلا أن تطعن قلبها لأنك تسكنه ولأنك الأجدر لتتربع على عرشه فأنت الأقرب لتشعر بنبضاته فهو لك وأنت منه ، فأنت كالنبضات المرسلة إليه لتحرك المشاعر الجياشه .. كفاني أشعر أنني أنتفض هنيهةً وأنا أكتبها إليك بدمع منهمر يخرج من بين الجفنين مرتسماً طريقان إلى صدري ترى أيهما الأقرب وكليهما يصلان ...!!!</SPAN>
حبيبي .. أي اعتذار تريده مني لا أبالي .. الوالد لأبيه .. الفتاة لأمها .. الأخ لأخيه .. الزوجة لزوجها .. ولكنني أجزم أني اعتذاري إليك هو أثمن من هذا كله .. لأنه اعتذار بندم من حبيبة إلى حبيبها </SPAN>ترى هناك أغلى من ذلك آيها الفؤاد .. </SPAN>
حبيبي .. إنني كالطفة أنساق بين الزهور لأقطف لك أجمل وردة .. فدع سذاجتي الآن فإنها لحظات ستختزلها ذاكرتي لا يساورني فيها شك كونني أمتلك قلبك لذا اخترت لك أجمل وردة بيضاء لأنني ياقنة أني قلبك يضاهيها صفاءًا ..</SPAN>
حبيبي .. عاتبني إن أخطأت ولكن أرجوك لا تبتعد عني أما علمت أن الهجر أقصى عقاب للأنثى </SPAN>ولكم تعلم أنني لست أي أثنى لأنني مستوطنة لبك وأنت تجزم أنني اشتريته بكل ما أملك من ثروة ، فهل هناك أغلى من ثروة الحب كفاني بها نصيباً سأذود عنه على اعتبار أنك ستمنحه لغيري ..</SPAN>
حبيبي .. أعلم مابك لأنني قرأتك في كل موعد وسطرت قراءتي وسأسطرها حتى أخر زفرة من أنفاسي .. ولكنك لا تعلم ما بي من ألم يعتصرني .. بعدك عني جعلني كالليمونة المصفرة التي اصفرت قبل نضوجها .. بعدما كانت خضراء مذبهلة تتغني على شقشقة العصافير في بكورها وإيابها ..</SPAN>
حبيبي .. لوكنت الأوراق تحمل الأحاسيس ما ترددت في استخراج أحاسيسي ومعها أنفاسي الغائرة في رئتي ومزجها بأجود الطيب والعنبر ومسك الغزال الرضيع على أوراق البردي وناشدت حمامتي الزاجلة بأن لا ترتحل عن شباك عشقي حتى ترد بكلمة واحدة ... أحبك ..</SPAN>
حبيبي .. أيهون عليك دمعي .. أم يهون عليك ألمي .. أم لم تعيير أحزاني اهتماما .. أنسيت حبي الذي يفوق حب نساء الأرض لك .. أم نسيت ثوبي الرث الذي استبدلته لي باسم حبك .. أعلم أنك لم تنظر لفقري .. لأنك أسمى من أن تقييم الناس بأموالهم .. فأنت طيباوي نضير ( أي إنسان مثالي معدنك ذهب ) أنت.. أنت من تقييم الناس على فكرهم وعقلهم ورحابة صدورهم وسلامة ضمائرهم ونظافة بواطن أمورهم.. لذا اخترتك من وسط المئات بل الآلاف بل الملايين .. أعلم والله أعلم أني بدونك كالجسد بلا روح .. كالشجر بلا ثمار .. كالأفرع بلا أوراق .. كالبحار بلا ماء .. كالسماء بلا شمس .. كالقمر بلا نور .. </SPAN>كالطيور بلا غصن .. </SPAN>
حبيبي .. أنت لي كالماء للزرع ، كالظل للمتنهد من الحر .. كالنسيم البارد الذي تعانقه الزهور وتحتضنه الورود وتأبى أن تفارقه .. أنت لي كل شيء .. وبدوك لست شيء .. فكياني معلق بك وكل ما أملك هو أنت .. نعم أنت ليس سواك أحب .. فأنت النور الذي أرى به ، وأنت الحلم الذي يدفعني لآمالي </SPAN>كي أظل جوارك .. </SPAN>
حبيبي .. أرجوك </SPAN>أرجوك .. أرجوك كفاك لا تهجرني فقد ألمتني كثيراً .. لا أشعر بمن حولي إلا حينما تكن جواري .. أقسم لك بذلك .. اسألهم عن الحب وكيف حينما تحب الأنثى حباً لا رفث فيه وفسوق ولا لغو .. إنه الحب الذي يبنى عليه السعداء مجدهم وآمالهم وأحلامهم وأفكارهم لأن التوافق في الرؤى والإخلاص للإصلاح هو أساس المنبت الصالح الذي يقم بيوتاً تناطح السحب وترتسم آفاق تسرح فيها الآمال فلا تصد مُدها ....</SPAN>
حبيبي .. إن حكمت عليّ بالبعد .. فالموت أهون عليّ من أني آراك تتجاهلني وترميني في دهاليز المفترسين فهؤلاء ليس بشراً كما أنت آدمي.. خصلة فيك تكفيني نقاء سريرتك التي علمتني كل شيء سأظل مدانة لك مدى الحياة .. سل قلبي الذي يتألم أما آن له أن يتكلم .. إن قبلت أنثى أخرى وارتضيت به أنثى .. فمحال أن أقبل رجلاً غيرك .. فاحذر يا فؤادي ليست كل النساء طابع واحد .. فالنساء ماكرات ولهن طوابع .. وإني لأخشي عليك أن تستفرسك إحدهن فتقع في شباكها فتنقض عليك كالصقور الجائعة التي تلتهم فريستها وهي تحمل طعاماً لصغارها .. فتظل مجروحاً بلا ألم .. فليتني حينئذ أطعن بدلاً منك مائة طعنة .. فالطعن في الميت لا يسيل دمه المتجمد .. </SPAN>
حبيبي .. ماذا يرضيك عني .. قل ما تشاء ولك أسمع ، سأنفذ ما أردت فكل شيء يهون إلا أن تجافيني </SPAN>حتى هجرني النوم كأنه لطيب خاطرك يعاديني .. وكأن طيور السماء تعاتبني تناديني .. فأدنوا منها استعطفها كي تواسيني .. فأنظر إليهموا كأنهموا أناسي تراضيني .. أين مسكني وداري يا طيري هل من أحد يأويني .. فبرد الليل يا طيري يجهدني وحر الصيف يكويني ...!!!</SPAN>
حبيبي .. أعلم أنك من أبناء الأكابر .. ولكنك لم تعاملني يوماً على أنني من بنات الفقراء بل كنت تفخر بي .. وحينما كنت أنظر في عينيك </SPAN>السوداوين كنت أرى فرحة لا استحقها .. فكانت عيناي الزرقاوين تدمع حينها لأنني أمتك قلباً ورئتين أتنفس بهما هما قلبك ورئتيك .. كنت أسعد النسوة .. فسعادتي الحقيقة في قلباً يحتضني أكثر من احتضاني له .</SPAN>
حبيبي .. أعلم أنني أطلت عليك .. ولكني استعطفك باسم الله الذي خلقك في أجمل صورة أن ترق لحالي </SPAN>.. إنني أحبك .. وحبك محال أن يفارقني لأنني وضعته في صندوق قلبي وأغلقت عليه بمفاتيح العهد إلى الأبد ...</SPAN>
حبيبي .. إن كنت تدرك ما يعتريني الآن من آلام لما تركتني هكذاً لحظة واحدة .. فالحب الصادق </SPAN>الذي تحتفظ به المرأة لا يمكن أن يكن مزيفاً وإن صنع بها ما صنع .. لقد بوحت لك بكل ما أشعر به .. لا ينقصني سوى أن أرسل لك دمعة واحدة لتشعر بما أعانيه .. وأظنها كفيلة بأن تعبر عن ما أخفقت أن أقوله لك .. هذه دمعتي إليك ..دمعة المخلصة التي أحببتك حتى الموت .. حبيبتك صابرين الذي ألمها هجر السنين ..."</SPAN>
</SPAN> وبعد أن فرغ طارق من قراءة الرسالة مرات عديدة التي تتحرك لها الجبال، وتموج لها البحار موجا، وتتباكى عليها أصحاب النفوس المزيفة التي تتخذ الحب ستراً تخفي وراءه جرائم ترتكب بحق هذا الطهر النقي ، ندب حظه </SPAN>حتى غرغرت عينيه واحتض الورقه بحنان وكأن كلماتها حركت مشاعره المتجمدة المتصلدة منذ حولين ونصف الحول ، قام على الفور ينظر من نافذة حجرته على بيت محبوبته فلم يجدها </SPAN>في مكانها المعهود فقد كان هناك اشارات متبادلة بينهما يفهم كل منهما الأخر عن طريقها ، اتجه نحو دولابه مهرولاً </SPAN>فاستخرج منه </SPAN>بدلته السمراء وقميصه الأبيض وكرفته السمراء ووضعهما على السرير ثم اتجه إلى الحمام فغسل وجهه ومن ثم توضأ وصلى الصبح ، ثم ارتدى ملابسه ورّجل شعره وعطره ثيابه بعطر نفاذ تشتم رائحة على بعد أمتار ، خرج مسرعاً وطرق الباب بقوة وسط ذهول والده الذي يتصفح الجريدة ووالدته التي تحتسى قهوتها، ينتابهما حالة من القلق لما يحدث فلم تكن عادت طارق هكذا ، ألقى عليهما السلام وقبل أيديهما ، ثم خرج مسرعاً نحو سيارته ، </SPAN>قام بتشغيل محركها ، واستمر دقيقتين ، ثم انطلق بالسيارة كالقمر الاصطناعي الذي يشق عنان السماء ، كان هناك مكان يجمعهما ، وكانت هذه المخلصة تذهب إليه دائماً كي تستذكر هذا الحب قبل أن يستقر الوضع على قرار ذي عوج </SPAN>أودى في نهاية المطاف إلى الهجر </SPAN>نتيجة الغيرة المقيدة من قبل صابرين التي كانت تحب طارق حباً جماً وتغار عليه من نظرة العامة إليه ، كانا دائماً يتلاقيا في الصباح فى هذا الوقت الذي كانت تهرب فيه صابرين من وطأة الحصار عليها بحجة الذهاب إلى السوق واختلاق أعذار تكاد أن تلقى رضاء أبويها بدواعي أنها أمور طبيعية لا يحتمل فيها أدنى شك، ذهب طارق الذي حن إلى قلب حبيبته مبكراً قبيل أن تصل صابرين ، وطرأ بذهنه أن يقدم لها ما اعتاد على تقديمه إليها دائماً ، عاد إلى سيارته مرة أخرى ، بينما كانت المفاجأة غير المتوقعة، فالحبيبة التي يتوجب أن نضعها في مصاف المخلصين في الحب تعبر الطريق ، ما إن رأت طارق طار عقلها وجن جنونها </SPAN>فهرولت إليه وهو ينظر إليها فخرج من سيارته يدعوها بالتوقف حتى تمر السيارة العابرة ، إلا أن القدر كان أسرع من حضن دافئ يجمع الحبيبن بعد غياب ظل سنوات من اللوم والعتاب ، أسالت دماء الطاهرة النقية عشقت حبيبها حتى الجنون على الرغم من الحياة التي عاشتها بين المعاناة والويلات والنوائب والصعوبات والمصائب الجمة، لم تكن لتفقد الأمل ما دامت أنها واثقة من حبها وقدرتها على إقناع حبيبها مهما كان التنازل الشريف في ظل المحافظة على الكيان النظيف الذي نفقده يوماً تلو الأخر ، احتضن طارق صابرين وهو يصرخ بينما ابتسمت هذه المؤود حلمها وهي تقبل يده وتلمس شعره وتمسح وجهه والدموع المنهرة الساخنة التي سالت لتلامس بشرتها ، كان كل أملها أن تعيش في ظل رجل يحبها ويقدرها ويحترمها ... نعم إنها وجدت ضآلتها حضناً دافئاً ولكنها ستفارقه بعد لحظات ...وأدت الآمال العريضة التي كانت ترتسهما صابرين وهي في ريعان شبابها لم تبلغ ولم تطفئ شمعة الخامسة والعشرين من عمرها لتفارق الحياة على ذراع فتاها الأول ..هذه هي الحياة .. لا نأخذ منها كل ما نريد ... ويبقى القدر واقفاً بالمرصاد وتلك التداول بين الأيام .. سنة كونية لا يمكن مخالفتها .</SPAN>
</SPAN>
حكمة القصة </SPAN>
" اختر من يحبك ... ولا تختر من تحبه