عشرون وصية لآداب الحوار ..
لا تترك المنتدى من أجل حوار دار بينك وبين أخيك ، ولا يضيق صدرك :
هذه عشرون وصية لآداب الحوار ، إذا أخذت بها نجحت في حوارك مع الآخرين :
(1) لا تدخل ـ دائماً ـ مع أحد في حوار ، لا فائدة منه .
(2) قبل كل شيء استفد من إخوانك ، وأفدهم بما عندك من العلم . ولا تفرح بزلتهم وخطأهم ، سدد وصوب لهم بالتي هي أحسن .
لا يُزهدنك في أخٍ لك *** أن تراه زَلَّ زلَّهْ
مَامِنْ أخٍ لك لا يُعاب *** ولو حرصت الحرص كلهْ
(3) إذا حاورت فاذكر ما عندك من العلم في المسألة التي دار فيها الحوار والتي تدين الله بها .
(4) إذا ذكر لك أحد الإخوة في المسألة شيئاً مفيداً لا تعلمه فخذه وعض عليه بالنواجذ ، وإياك أن تتركه ولا تقبله .
(5) إن عرض عليك شيئ يخالف ما عندك ، فلا تتعجل برده ، خذه وتأمل القول فيه والحجة والدليل ، فلعل ما ذكر لك أصوب مما عندك من القول والعلم .
(6) لا تعتقد القول في المسألة من أول وهلة وقبل البحث فيها ، ولكن ابحث وناقش ثم إذا تبين لك الحق والصواب فاعتقده .
جاء في عيون الأخبار لابن عبد البر ـ رحمه الله ـ (1/ 6) من قول ابن عباس : ( ولا يُنْقِصُ فضلَ ذي فضلٍ فضلُ غيره عليه ) .
قال تعالى : ( يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) [هود 3] .انتهى .
(7) لا تأخذ حق غيرك ، ولا يضرك أن يفهم غيرك المسألة ويصل إليك خيرها وفائدتها .
قال ابن عباس :
( ولا يعاب أحدٌ على ترك حقه ، إنما المعيب من يطلب ماليس له ، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضاراً . انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يُفَهَّمْها داود وفُهِّمْها سليمان ولم يضرَّ داود ) .
عيون الأخبار (1/6) .
( التزام الأدب والأخلاق ، واحترام قول الآخرين مادام الحوار حول فهم النص وأقوال أهل العلم . . لأن بعض المُحاورين لديه من البراعة في تزويق الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلاً . وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ، وهذا تحايل لإطالة النقاش من غير فائدة . فلا تناقش .
(9) المطلوب في النقاش هو : التجرُّد ، ، والصدق ، وقصد الحق ، والبعد عن التعصب ، والالتزام بآداب الحوار .
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يقضي عليه اجتهاده
قال مالك بن دينار : قولوا لمن لم يكن صادقاً : لا تتعب .
ذكره ابن الجوزي في تلبيس ابليس ص (152) .
(10)كثير من الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين ، ولقد قال الشافعي رحمه الله : ( ما جادلت عالماً إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني ! ) . وهذا القول من الشافعي ـ رحمه الله ـ يشير إلى الحوار العقيم ؛ الذي يجري بين غير المتكافئين .
(11) الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبيُّ الدلالة على الصواب أو الخطأ ، والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء ـ عليهم السلام ـ فيما يبلغون عن ربهم ـ سبحانه وتعالى ـ وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة : ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
(12) وبناء عليه ؛ فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف الآخر . فإن تحقق هذا واتفقا على رأي واحد فنعم المقصود ، وهو منتهى الغاية . وإن لم يكن فالحوار ناجح . إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كلٍ منها الآخر ، واحترم كل منهما ما عند الآخر مما يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخلاف السائغ . وما تقدم من حديث عن غاية الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً .
(13) يكون الحوار فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة ، وتدابر ومكايدة ، وتجهيل وتخطئة ، وتحقير وتسفيه ، وتبديع وتفسيق ، واتهامات وإلزامات للأقوال لا طائل تحتها .
(14) وقد تُفْحِم الخصم ولكنك لا تقنعه ، وقد تُسْكِته بحجة ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه ، وأسلوب التحدي يمنع التسليم ، ولو وُجِدَت القناعة العقلية .
(15) الحرص على القلوب واستلال السخائم أهم وأولى عند المنصف العاقل من استكثار الأعداء واستكفاء الإناء .
(16) كسب القلوب مقدم على كسب المواقف .
(17) هناك بعض الحالات الاستثنائية التي يسوغ فيها اللجوء إلى الإفحام وإسكات الطرف الآخر ؛ وذلك فيما إذا استطال وتجاوز الحد ، وطغى وظلم وعادى الحق ، وكابر مكابرة بيِّنة ، وفي مثل هذا جاءت الآية الكريمة :
( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ )[العنكبوت: 46] .
( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِم ) [النساء : 148]
ففي حالات الظلم والبغي والتجاوز ، قد يُسمح بالهجوم الحادّ المركز على الخصم وإحراجه ، وتسفيه رأيه ؛ لأنه يمثل الباطل ، وحَسَنٌ أن يرى الناس الباطل مهزوماً مدحوراً .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في نونيته :
واصدعْ بما قال الرسولُ ولا تخفْ *** من قِلَّةِ الأنصارِ والأعوانِ
فاللهُ ناصِرُ جنده وكتابه *** واللهُ كافٍ عبده بأمانِ
(18) التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة ، والأساليب المهذبة .
* تبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق ، والبعد عن الهوى ، والانتصار للنفس . أما انتقاص الرجال وتجهيلها فأمر مَعيب مُحرّم .
(19) فحص النفس عند الحوار مطلوب ، ويكون بهذه الأسئلة :
* هل ثمَّت مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا الحوار وهذه المشاركة . ؟
* هل يقصد تحقيق الشهوة أو اشباع الشهوة في الحوار والمشاركة . ؟
* وهل يتوخَّى أن يتمخض هذا الحوار والجدل عن نزاع وفتنة ، وفتح أبواب من هذه الألوان حقهَّا أن تسدّ .؟
* هل القصد من الحوار احتقار الآخرين والعلو عليهم ؟
إلى غير ذلك من الأسئلة الدقيقة لفحص النفس ومقصودها ، والإنسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره .
(20) من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن أنّ الحق لا يغار عليه إلا أنت ، ولا يحبه إلا أنت ، ولا يدافع عنه إلا أنت ، ولا يتبناه إلا أنت ، ولا يخلص له إلا أنت .
أسأل الله تعالى أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح .